الدور التربوي والتعليمي للصورة- الجزء الأخير
تنقسم الصور المدركة عند الجشطالتيين إلى عمق (Fond) وشكل (Forme)، حيث يمكن أن تؤثر طبيعة العمق في الصورة، وهذا ما يفسّر عددا من الأوهام الإدراكية (Illusion) (أعطت النظرية الجشطالتية أهمية قصوى للأوهام الإدراكية في بنائها النظري الشكلي).
وعموما فقد قدّم الجشطالتيون خمسة قوانين لإدراك الصورة:
1- قانون الصغر: الشكل الصغير يبرز عن عمق أكثر كبرا؛
2- قانون البساطة: الشكل البسيط أبرز من الشكل المعقد؛
3- قانون الانتظام: التقسيم المنظم للأشكال يؤثر في العملية الإدراكية؛
4- قانون التقابل: التقسيم التقابلي لعناصر شكل معيّن يؤثران في الإدراك؛
5- قانون الاختلاف: الشكل المختلف الغريب يبرز بشكل أفضل؛
وهذه القوانين مهمة جدا في انتقاء الصور، سواء كانت لأهداف بيداغوجية أم غير ذلك، حتى يمكن أن تؤدي الدور المنوط بها.
أما نظرية الذكاءات المتعددة التي اقترحها «هاورد كاردنر» (H.Gardner) فتشير إلى ثمان ذكاءات تميّز التفكير الإنساني برمته وهي:
الذكاء المنطقي الرياضي.
الذكاء اللغوي.
الذكاء الحسي الحركي.
الذكاء الموسيقي.
الذكاء الطبيعي.
الذكاء الذاتي.
الذكاء التفاعلي.
الذكاء البصري الفضائي.
هذه الذكاءات كما يشير «كاردنر» ليست حصرا فهي قابلة للزيادة.
وقد أشار «كاردنر» في حديثه عن الذكاء الفضائي إلى أن هذا الأخير يخص في غالب الأحيان بعض الأشخاص الذين يتميّزون بذاكرة فضائية، حيث يتمكّنون من تذكّر أماكن وفضاءات بمجرّد أن يروها لأول مرة، كما أن بإمكانهم أن يتعلّموا بطريقة أفضل عن طريق الصورة.
الصورة والتعلم
لقد حاولتُ في النقاط السالفة التنبيه فقط إلى بعض النظريات التي اهتمت بالصورة وأشارت لماما إلى دورها الوظيفي في العملية التعليمية التعلمية، وقد ارتأيت من خلال ذلك الإشارة إلى أن مبحث الصورة ليس وليد اليوم، وإنما كان ضمن تصوّرات نظرية مختلفة، لكن للأسف مازالت الأبحاث العربية المتخصصة في هذا المجال نادرة.
لا يمكن لأي صورة أن تكون صورة بيداغوجية إلا إذا احترمنا في اختيارها مجموعة من المعايير الكفيلة بجعلها أكثر أداتية، خصوصا منها المعايير الجشطالتية، كما أن على المتعلم نفسه أن يتحلّى بمجموعة من القدرات والخبرات التي تساعده في إدراك الصورة، نختزل هذه القوانين المشتركة بين الصورة ومتقبّلها ومُنتجها في التقاط الآتية:
1- الانتباه
2- الثبات والدوام (Constance)
3- التحفيز (Motivation)
4- التنظيم (Organisation)
5- الوجهة والعماد
6- الخبرة والموسوعة الإدراكية
7- التشويه أو التحريف
8- الخداع الإدراكي
9- الشكل والعمق
فلا بد للمتعلم في إدراك الصورة أن يكون منتبها، لأن الانتباه هو الحركة الأولى في العملية الإدراكية، تليها عملية الإحساس، حتى يمكنه أن يستدخلها في صورة ذهنية يستثمرها استقبالا، ويفترض فيه الثبات والتركيز على الصورة من حيث مكوّناتها وعناصرها، فكلما طال التركيز ودامت نظرته، كلّما استطاع فهمها واستيعابها.
ولا بد من أن تكون له رغبة وحافز للتعامل مع الصورة، وهذا التحفيز يفرض على منتج الصورة أن ينتقي الصور التي تشبع رغبات التلميذ التي تختلف بحسب الميولات والتنشئة الاجتماعية.
فإذا كانت الصورة لا تلبّي رغبة المتعلم فهي بذلك صورة غير بيداغوجية، أما التنظيم فيرتبط بتنظيم مكوّنات الصورة حتى تبدو خاضعة لنسق معيّن، والتنظيم مرتبط كذلك بوجهة تلقي الصورة من قبل المتعلم، فعماد الصورة يؤثر في تلقيها عموما، كما يفترض في الصورة أن تكون من جنس التنشئة الاجتماعية للمتعلم، وتنتمي إلى موسوعته الإدراكية، فالصور التي ليست جزءا من خبرات المتعلم السابقة ستكون عصية على الاستيعاب، وهذا ما نلمسه لدى المتعلم الصغير عندما يصادف صورا في الكتاب المدرسي لا عهد له بمرجعها الثقافي، حيث تبقى عنده مجرد أولانيات كما عبر عنها «بورس»، لا يستطيع تذكّرها ولا يحصل له الإدراك بصددها.
كما ينبغي للصور أن تكون خالية من التشويه أو التحريف، بل يجب أن تكون بسيطة في عناصرها، لأن الهدف ليس الصورة في ذاتها، بل ما تقدمه من أدوار تعليمية تعلمية، والتحريف قرين الخداع الإدراكي، كما ينبغي أن يكون العمق فيها عاديا بسيطا، ويستحب أن تكون في المراحل الأولى من التعلم ثلاثية البعد. لأن الطفل في بداية تعلّمه لا يستطيع أن يسقط الأشياء ذات البعد الثلاثي على مساحة من بعدين اثنين.
أهمية التعليم بالصورة
يعتقد كثير من المحللين التربويين أن نسبة 80% إلى 90% من خبرات الفرد يحصل عليها عن طريق حاسّـة البصر، كما أن المبدأ السيكولوجي يقول: إن الفرد يدرك الأشياء التي يراها إدراكا أفضل وأوضح مما لو قرأ عنها أو سمع شخصا يتحدث عنها، فالصورة كفيلة بتطوير كافة عناصر العملية التعليمية التعلمية، وجعلها أكثر فاعلية وكفاية، فلم تعد الصورة وسيلة إضافية فضلة، بل غدت مهمة في العملية التربوية لما تقوم به من أدوار، نذكر منها:
1- إنها تستثير اهتمام المتعلم، وتنبع من احتياجاته ورغباته، حيث إن الصور الثابتة أو الأفلام، أو المجسمات أو غيرها تقدم معارف مختلفة، يستطيع المتعلم من خلالها إشباع رغباته، مما يحقق أهدافه، وكلّما كانت الصورة أقرب إلى الموسوعة الإدراكية للمتعلم، وتنشئته الاجتماعية، كلما كان دورها التربوي أفضل وأعظم.
2- الصورة تجعل المتعلم أكثر استعدادا لتقبل المادة المعرفية، حيث تساعد على إشباع الرغبة والزيادة في تقوية وتحسين خبرات المتعلم، وهذا ما نلاحظه عندما نقدم للمتعلم، فلما يتعلّق بمادة دراسية معينة (فقد لاحظت مثلا في فلم "اللص والكلاب" عن رواية "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ أن التلاميذ كانوا أكثر ميلا إلى مشاهدة الفلم من قراءة الرواية، كما أن استيعابهم لأحداثها كان مضاعفا بالنسبة للتلاميذ جميعهم عندما شاهدوا الفلم)، إن استعانة المدرس بالصور تهيئ الخبرات اللازمة للتلميذ، وتجعله أكثر استعدادا للتعلم.
3- تدفع الصورة المتعلم إلى إشراك جميع الحواس (الحس المشترك) في الدراسة والاستيعاب، وتشحذ ذهنه نحو التفكير والتأويل والتحليل، وهذا ما يجعله استقبالا، قادرا على تدقيق الملاحظة، واتباع المنهجية العلمية في التعلم، والحكم، والتقييم، والتقويم في الوصول إلى حل المشكلات بمختلف أنواعها.
4- تساعد الصورة في تنويع أساليب التعلم مواجهة للفروق الفردية بين المتعلمين، لأن لكل متعلم ذكاء خاص، يختلف عن باقي ذكاءات زملائه، وبهذا التنوع في الأساليب يمكننا أن نشبع رغبات الجميع ونحقق الأهداف التربوية.
آخر تحديث ( 11-12-2009 22:00 ) عبد المجيد العابد