الإشراف التربوي-الجزء الأول
لا شك أن مفهوم الإشراف التربوي تطور وتطورت فلسفته وأساليبه في السنوات الأخيرة، مسايرا بذلك الجهود التي سعت لتطوير الأنظمة التربوية ورفع كفايتها ونجاعتها، حتى تواجه هذا العصر والمستقبل القادم المليء بالتحديات والذي يفرض على التربية، تربية إنسان لعالم مجهول، تستلزم مواجهته دراسة لأشكاله المختلفة، وما تعبيرات استشراف المستقبل والمستقبلات البديلة إلا تأكيدا لهذا الطرح الذي يؤكد على مخاطبة الإرادة الإنسانية وتحفيزها على الإقدام والإبداع اللذان لن يتأتيا إلا ببرامج تربوية ناجعة تنمي مهارات التفكير واكتشاف العلاقات واستنتاج التعميمات وحل المشكلات والتخطيط والتجريب على أسس علمية، يقوم على اكتسابها معلم قادر متمكن، يسهم بفعالية في تحديد مخرجات نوعية، ولا شك أن هذا المعلم يسترشد بدوره في عمله وأداءاته بمشرف تربوي مؤهل، يدرك أن وظيفته الأساسية ترتبط بتحريك الطاقات البشرية العاملة معه من مديرين ومعلمين ومتعلمين.
أكدت البحوث الحديثة على الدور الذي يلعبه الإشراف التربوي، حيث أشارت «كارول كريوس» carol Crews إلى أن المشرفين التربويين يمثلون مركزا مهما في الأنظمة التعليمية وأن الأنظار تتجه إليهم كخبراء ومستشارين متخصصين في المناهج وطرق التدريس الحديثة وأن دورهم هو تطوير وتحسين العملية التربوية عن طريق مساعدة وتوجيه المعلمين نحو السبل التي تزيد فعاليتهم وتنمي كفاءتهم ليعطوا إنجازا أفضل في عملهم، والرأي نفسه أيّده «كلين ج» Clen G Eye حين قال إن الإشراف يؤدي إلى تحسين العملية التعليمية التعلمية وإلى خلق أنماط جديدة من العلاقات الإنسانية التي تصبح قوة موجهة لتنسيق الجهود وتحسين إنتاجية التعليم، ويأتي «لوسيل جوردن» kncille Gorden ليؤكد على أهمية العلاقات الإنسانية التي يجب أن يترجمها المشرف التربوي إلى واقع عملي، فيتعرف على مشكلات ورغبات واحتياجات المعلمين، أما «روبرت أندرسون» Robert Anderson فيركز على المؤهل العلمي للمشرف التربوي، حيث يرى أن الإبداع والابتكار في المجال التعليمي يعتمدان على قدرة المشرف المرتبطة بالفهم العلمي والإدراك الواعي لأحدث التجديدات والابتكارات في مجال التعليم، ويتفق معه «ستورجز» الذي يرى أن نشاطات المشرف التربوي ينبغي أن تتركز في اتجاهين: الأول يركز على المهارات الاتصالية بينه وبين العاملين معه والثاني يركز على استخدام التقنيات الحديثة في حل المشكلات التي يصادفها المعلمون وتزويدهم بكل المستجدات التي تسهل الوصول إلى مختلف التعلمات حتى يخلق الجو التعليمي المناسب والمحفز.
مفهومه
تتعدد السياقات التي يستخدم فيها مفهوم الإشراف، فيستخدم في مجال التكوين المهني وفي مجال الإدارة والأعمال وفي مجال الصناعة وأيضا في المجال التربوي، وفي هذه الأخير نجده يتداخل مع عدة مفاهيم أخرى كالتفتيش، التأطير، الإشراف الفني، التوجيه والتقويم، أما الحقل المدرسي فيهمّه الإشراف التربوي وعلاقته بالتكوين الميداني للمعلمين أثناء الخدمة، وقبل أن نأتي لتحليل هذا السياق، نورد أهم التعريفات اللغوية والاصطلاحية المرتبطة بهذا المفهوم.
الإشراف التربوي لغة: كلمة الإشراف مشتقة من فعل "أشرف"، بمعنى تابع وراقب، ونجد كمقابل لهذه الكلمة في اللغة الإنجليزية Training, advising,Inspecting, educating, tutoring, superving, monitoring، أما في اللغة الفرنسية فتتعدد كذلك المرادفات اللغوية كـ: Eduquer, inspecter, diriger, former, encadrer, superviser, .
وفي اللغة العربية نجد المرادفات التالية دالة على مفهوم الإشراف: التوجيه، التفتيش، الإشراف الفني والتأطير.
الإشراف التربوي اصطلاحا: وردت تعريفات كثيرة لمفهوم الإشراف التربوي، نورد منها:
- هو عملية قيادية ديمقراطية تعاونية منظمة تعنى بالموقف التعليمي بجميع عناصره، من مناهج ووسائل ومعلم وطالب وتهدف دراسة العوامل المؤثرة في ذلك الموقف وتقييمها للعمل على تحسينها وتنظيمها من أجل تحقيق أفضل لأهداف التعلم والتعليم.
- هو عملية ملاحظة الأداء العملي التدريسي للمعلم من جانب شخص معترف به رسميا على أنه على درجة عالية من الكفاءة المهنية في التدريس، وهو عملية حية ديناميكية متطورة.
-هو مجهود منظم ومستمر لتشجيع المعلمين على النموّ الذاتي حتى يصبحوا أكثر فاعلية في تحقيق الأهداف التربوية.
- عملية يتم فيها تقويم العملية التعليمية وتطويرها ومتابعة تنفيذ كل ما يتعلق بها لتحقيق الأهداف التربوية، وهو يشمل الإشراف على جميع العمليات التي تجري في المدرسة وخارجها والعلاقات والتفاعلات الموجودة فيما بينها.
-الإشراف التربوي عملية ديمقراطية تقوم على احترام المعلمين والطلاب وغيرهم من المتأثرين بالعمل الإشرافي والمؤثرين فيه، وتسعى لتهيئة فرص متكافئة لكل فئة من هذه الفئات وتشجعها على الابتكار والإبداع.
-ويعرفه «قود» Good بأنه جميع الجهود المنظمة التي يبذلها المسؤولون لتوفير القيادة للمعلمين والعاملين الآخرين في الحقل التربوي في مجال تحسين التعليم مهنيا، ويشمل ذلك إثارة النموّ المهني وتطوير المعلمين واختيار وإعادة صياغة الأهداف التربوية والأدوات التعليمية وطرائق التدريس وتقويم العملية التربوية.
-أما «لوجندر» legendre في قاموسه التربوي فيقدم التعريف الآتي "الإشراف التربوي هو مجموع عمليات النقد التي تتم بعد الملاحظة، التحليل والتفسير، والتي عن طريقها تتم مراقبة عملية التناسق بين الممارسات والبيانات المؤسساتية لنقرر ما يجب القيام به -تخطيط، تسيير، تنظيم، مراقبة وتقويم-، وهذا بهدف الحفاظ على الواقع وتحسينه.
-هو تنسيق وإثارة اهتمام وتوجيه المعلمين قصد توجيه نموّ التلاميذ ليتمكنوا من المشاركة بصورة فعّالة في بناء المجتمع الذي يعيشون فيه.
- هو مجهود منظم ومستمر لتشجيع المعلمين على النموّ الذاتي حتى يصبحوا أكثر فعاليّة في تحقيق الأهداف التربوية.
- يعرفه «اللقاني» فيقول "هو نشاط علمي منظم تقوم به سلطات إشرافية على مستوى عال من الخبرة في مجال الإشراف، ويهدف إلى تحسين العملية التعليمية ويساعد في النموّ الذاتي للمعلمين من خلال ما تقوم به تلك السلطات من الزيارات المستمرة للمعلمين وإعطائهم النصائح والتوجيهات التي تساعدهم على تحقيق أدائهم".
-أما «ويلز ولوفيل فيرى بأن الإشراف التربوي هو ذلك السلوك الإشرافي التدريسي الذي توفره المدرسة بشكل رسمي لغرض التفاعل مع النظام التعليمي على نحو يضمن تطوير وتحسين الفرص التعليمية للتلاميذ وتحقيقها بالفعل.
أما «محمد حامد الأفندي» فيرى أن الإشراف التربوي هو العمل على النهوض بعمليتي التعلم والتعليم. إن معنى أن تشرف هو أن تنسق وتحرك وأن توجه نموّ المدرسين في اتجاه يستطيعون معه باستخدام ذكاء التلاميذ أن يحركوا نموّ كل تلميذ وأن يوجهوه إلى أغنى وأذكى مساهمة فعّالة في المجتمع وفي العالم الذي يعيشون فيه.
- هو عملية فنية شورية، قيادية، إنسانية، شاملة، غايتها تقويم وتطوير العملية التعليمية والتربوية بكافة محاورها.
-الإشراف التربوي هو مجموعة الخدمات والعمليات التي تقدم قصد مساعدة المعلمين على النموّ المهني، مما يساعد على بلوغ أهداف التعلم.
- وورد في معجم علوم التربية "مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك" لمجموعة باحثين مغاربة أن "تأطير، إشراف هو مهمة ووظيفة تشمل عمليات توجيه وترشيد نشاط فرد معيّن أو مجموعة من طرف فرد أو مجموعة أخرى عن طريق إمداده بمعلومات أو إرشاده إلى مصادرها أو توجيه خطة العمل ومناهجه ووسائله أو تقويم المجهود والطريقة والنتاجات، وتشمل مهام التأطير والإشراف ما يقوم به المدرّس مع المتعلمين أو المشرف التربوي مع المدرس.
يمكن من خلال هذه التعريفات أن نحدد المواصفات التالية لمفهوم الإشراف التربوي:
- أنه خدمة تقدم للمعلمين بهدف تنمية قدراتهم الشخصية والوظيفية ورفع أداءاتهم المهنية، وبالتالي يكون نتيجة حتمية لتحسين عملية التعلم والتعليم.
-أنه مفهوم يتميز بالديناميكية والإيجابية كما يقوم على أساس المشاركة والتعاون والعلاقة الديمقراطية -معلم، مشرف-.
- يتميز بالأسلوب العلمي والطابع التجريبي، حيث تصبح الممارسات التربوية الجارية موضع تساؤل واختبار وبحث ودراسة وتقويم مستمرين.
- يهتم بكل عناصر العملية التربوية من مناهج ووسائل وطرق واستراتيجيات وتكوين وتقويم لكل هذه العناصر.
أهدافه
-يهدف الإشراف التربوي إلى تحسين عمليتي التعلم والتعليم.
- مساعدة المدرسين على إدراك غايات التربية الحقيقية ودور المدرسة المتميز في تحقيق ذلك.
-مساعدة المدرس على التفريق بين الأهداف والوسائل وتوجيه الجهد والذكاء والمعرفة نحو خدمة أهداف التربية الرئيسية حتى يكون للخبرات التي يكتسبها التلاميذ ولطرق التدريس التي يستخدمها المدرس قيمتها ومعنى في خدمة البيئة والمجتمع.
- مساعدة المدرسين على إدراك مشكلات المتعلمين وحاجاتهم، خاصة في هذه الحقبة الزمنية التي نعيشها وخصائصها المرتبطة بتداخل الثقافات وسهولة الاتصال وتلاشي المسافات وانعدام الحواجز بين الأفراد والأمم والشعوب، إذن فالمشرف يجب أن يوجه نظر المدرسة لرسم سياسة تشجع بها حاجات التلاميذ في هذه الظروف، خاصة وأن واجبها ومسؤوليتها هي مساعدة التلاميذ على النموّ حسيا، معرفيا وجدانيا، خلقيا، اجتماعيا.
-مساعدة المدرسين على إقامة علاقات حسنة مع بعضهم البعض وتقوية أواصر الانسجام والتعاون في صفوفهم للوصول إلى الأهداف المحددة ولتحقيق النموّ لمهني المأمول، ولن يتأتى ذلك إلا في ظل قيادة حكيمة ترفع المعنويات وتشجع المبادرات وتبرز المواهب وتقوي الصلة بين المدرسة والمجتمع المحلي، كل ذلك بفضل العلاقات الاجتماعية الطيبة الإيجابية.
-أن تتجسد القيم المراد نقلها إلى المتعلمين والمعلمين في سلوك المشرف ذاته لأن القدوة أبلغ أثرا من التلقين.
- تشخيص نواحي الضعف ونواحي القوة عند المعلمين ودراستها بشكل موضوعي وتحديد ما يعالج فيها، فقد يكون استثمار وتنمية نواحي القوة أفضل وأنجع من حصر الجهد في معالجة نواحي النقص وتكون بمثابة الحافز لإظهار القدرات الكامنة التي بالرعاية والتوجيه تتحول إلى قدرات ظاهرة وكفاءات متميزة تخدم التلاميذ والمدرسة والمجتمع.
-أن يشجع المشرف المعلمين على تنويع ممارساتهم التربوية التعليمية، خاصة مع الإصلاحات والمناهج المستحدثة التي تتطلب التحكم في حقيبة بيداغوجية معتبرة، تساعد المعلم على انتقاء ما يخدم كل تلميذ في الصعود الاجتماعي وبما يكافئ مختلف المهن التي سيمتهنها التلاميذ.
-مساعدة المعلمين على امتلاك مهارة التعلّم الذاتي حتى يتابعوا التغيّرات التي تطرأ على المناهج نتيجة التقدم العلمي والتكنولوجي.
- مساعدة المعلمين على تبني العمل بالتقويم الذاتي وتقويم النموّ الشامل للتلاميذ باستخدام أساليب موضوعية متنوعة -بورتوفوليو، أداء اختبارات واستثمار التغذية العائدة من التقويم في التشخيص والعلاج-.
- تدريب المعلمين على مختلف جوانب المسؤولية التربوية، بدءا من تحديد الأهداف التربوية والتعبير عنها بأسلوب إجرائي ولغة دقيقة وترجمتها إلى أنماط سلوكية، إلى التخطيط لتحقيق هذا السلوك والتعاون مع الآخرين لتحقيقه في سلوك التلاميذ خاصة، حيث يوظّف في البيئة الخارجية الاجتماعية بفعالية وإيجابية -كفاءة-.
- إكساب المعلمين المهارات التدريسية الخاصة بتعليم الأفواج الكبيرةLe facteur de massification والعناية بالفروق الفردية باستخدام أساليب التدريس الحديثة.
-تشجيع وتوجيه المعلمين لإجراء البحوث التربوية في شقيها النظري والميداني والعمل بالنتائج المتوصل إليها. عن الأيام الجزائرية/ نعيمة ستر الرحمان 16-04-2010