إن التفوق والسبق الدّولي اليوم يبدأ من المدرسة، يبدأ من الفصل الدراسي منذ مرحلته الأولى، ومفتاح هذا التقدم هو المعلّم والمنهاج الدراسي الذي يسعى لتغيير الذهنية وتكوين مهارات التفكير الناقد وثقافة الإبداع لا ثقافة الإيداع، فأبناؤنا الذين نعدّهم للقرن الواحد والعشرين لا يجب أن نقدم لهم تعليما تقليديا غايته ثقافة الإيداع، وعلينا أن نتجاوز التعليم للامتحانات إلى التعليم للحياة وامتلاك الأساسيات التي يحتاجها القرن الحالي، حيث تعنى مدارس المستقبل بتعليم أسس الاتصال ومهارات حلّ المشكلات.
يحقق التدريس بالكفاءات غاية البناء الحضاري للأجيال، فهذه المقاربة هي تفصيل لمنطق التعلّم الذي يركّز على التلميذ ونشاطه وردود فعله اتجاه وضعيات مشكلات، كما أنها تزوّده بالأدوات المنهجية والفكرية التي تسمح له بمواجهة هذه المشكلات، ومقاربة الكفاءات لا تلغي المعارف بل تستثمرها لأجل إثراء الفكر وبنائه وتدريبه على إصدار الأحكام، كما تعمل على دمج وتجنيد هذه الطرق الموارد من أجل توظيفها في مجالات الحياة المختلفة، إذن فهي تطوّر جاء ليفرض العديد من الانشغالات أمام الفاعلين في السيرورة التربوية التعليمية، وأوّلها تحديد الاستراتيجيات المناسبة للعمل داخل المدرسة وكذلك تحديد علاقة المعلم بالمعرفة والتعلم، خاصّة وأنّه المسؤول عن أَجْرأَة المناهج في الميدان، ووزارة التربية الوطنية عند تبنيها لمقاربة الكفاءات، إنّما أخذت بالتوجّه العالمي في اختيار ووضع مناهج تربوية نوعية «qualitative»، تكفل لها مواجهة التحديات الجارية والمستقبلية، تحت
مظلة ما يعرف بالعولمة «mondialisation»،? باستغلال مواردها البشرية والطبيعية، الاستغلال الحسن والأمثل والأنجع، كما تسعى لإيجاد التوازن الموضوعي والمنهجي لعناصر المنظومة التعليمية، وتبني هذه المقاربة، ليس مجرد تطوير لتقنية بيداغوجية معينة أو هي إدخال لعنصر جديد ضمن استراتيجية العمل الحالية، بل هي إجراء يرتبط بمسعى تأسيسي لإستراتيجية تربوية جديدة شاملة لكل مناحي النشاط البيداغوجي، سواء في ذلك ما يتصل بجوانب التصوّر أو التخطيط وما يرتبط بالأهداف ومقاربات الأداء، أو ما يتعلق بالتأطير والتسيير في مختلف المستويات والمجالات، ففي داخل حجرة الدراسة تحدث ثورة من خلال تغييرها للأدوار التقليدية المعروف بها المتعلم والمعلم، فهذا الأخير يتحوّل إلى موجّه ومحفز ووسيط، والمتعلم يصبح فاعلا، نشطا في بناء معارفه باعتماد تقنيات وخبرات تعليمية تعلمّية متنوعة فعّالة، فالمراد هو خلق بيئة تعليمية جديدة تستلزم الفهم السليم لهذه المقاربة من حيث مرجعيتها النظرية، ثم تحديد مفهوم الكفاءة، فمركباتها ومحتوياتها وكيفية تكوينها من خلال مؤشراتها حتى تأتي ممارسات وأداءات المربي واعية هادفة.
26-12-2009 ( عن الأيام الجزائرية: ستر الرحمن نعيمة )