بسم الله الرحمن الرحيم
الامم المتحضرة تحترم وقتها وتحرص على الاستفادة من كل دقيقة منه في العمل المثمر والكدح الدؤوب، ونراها تسابق الزمن لتحقيق الانجازات والفوز في منافسات الحياة المتعددة.
واذا اردنا ان ندرك فلاح اية امة في أمور دنياها فأفضل وسيلة لقياس ذلك ان نعرف كيف تتعامل مع الزمن؟ وكيف تحترم الوقت؟ عند ذلك نستطيع ان نستكشف كم حقق ابناء ذلك المجتمع من نجاح وتفوق؟
واذا زرنا أي مجتمع من المجتمعات التي سبقتنا في التقدم العلمي والانتاج ومعدلات
الرفاه، لوجدنا ابناءه وكأنهم في خلية نحل لايضيعون دقيقة واحدة من وقتهم فيما لاطائل منه بل هم في عمل دائم، فهم يعتبرون انفسهم مسؤولين عن هذه الاوقات فلا نجد مظاهر الكسل والتراخي وقضاء الوقت في الاحاديث الهامشية، بل نجدهم منكبين على اداء وظائفهم وأعمالهم، وقد بدت عليهم الجدية والحرص وتملك العمل مشاعرهم واحاسيسهم وحوافزهم تنبع من داخلهم، من دافع ذاتي يرى احدهم السعادة والراحة في اتقان العمل وعدم مضيعة الوقت، ورغم ما في المجتمعات المتقدمة من علل وامراض اجتماعية خطيرة، ورغم فساد العقيدة والمبدأ الذي يعتنقونه، فإننا نجد ان مسألة الوقت وضرورة احترامه من الامور التي لاتقبل النقاش ولاتحتمل الجدل فهي من المسلمات التي يتفق عليها الجميع.
الوقت أثمن عناصر الحياة
لاشك ان الوقت يعتبر اثمن امر في حياة الانسان وأغلى شيء يملكه الناس، فليست الحياة بالنسبة للانسان الا مايترك فيها من اثر وماينجزه ويحققه من فعل فهي مزرعته التي يزرع فيها جده ونشاطه وإمكانياته يحصد ثمار جهده ونتيجة عمله لكننا نجد أن الانسان ينسى قيمة الزمن وهو كل رأسماله الذي يفق منه ويترف فيه، وهو رصيد محدود وكل لحظة زمنية تمر من العمر تنقصه ولايمكن تعويضها ولذا فالانسان الناضج الذي يملك حساً حياتياً وادراكاً سليماً ومعرفة صحيحة لقيمة الحياة واهمية الزمن يحترم، وجوده وحياته ، ويعمل جاهداً على توظيفها والاستفادة منها لئلا تضيع هدراً فيضيع عمره وقدرته، ثم ينظر الى ماضيع بعين الحسرة والندم ولكن بعد فوات الاوان.
انها دعوة لاغتنام الفرص وعدم إضاعتها فقد لايفكر الانسان صاحب المال والقوة والفرصة والحيوية التي يملكها ولايقدر قيمتها واهميتها فلايستفيد من عمل الخير والمشاركة في النشاطات الاجتماعية ولكنه يحس بالندم على تلك القدرة والحيوية عندما يفتقدها وهو في مرحلة الشيخوخة عندما تهرم طاقاته وقواه وعندما يصبح عاجزاً عن طلب العلم وعن العمل والمشاركة في مشاريع الخير واعمال البر، فكم من صاحب قوة ونشاط قد أهدر صحته ونشاطه وقتل وقته، جاهلاً قيمة هذا العنصر الحيوي في الحياة.
وظواهر تضييع الوقت وأسبابه كثيرة في حياة الناس، فالذي يدرس بدقة وعناية يجد ان الهدر والتفريط سبب أساسي من أسباب التخلف وخلق المشكلة الحضارية الكبرى التي يعاني منها الانسان.
كما ان اهمال الطاقات والفرص والامكانيات، وتعطيلها عمل سلبي وسلوك هدام يعززه الجهل والوضع النفسي غير السوي، فالناس الاسوياء حريصون على ماوهبهم الله من قدرات ومن صحة وشباب ووقت.. الخ، يتصرفون بحكمة وواقعية، لايفرطون بشيء من هذه الطاقات ولا يهملون استثمارها.
فقد حبا الله الانسان بطاقات الطبيعة المعطاء، ومنحه قدرات تكوينية رائعة، لو أنه تصرف بها وفق منهج إلهي سليم لعمرت الارض وازدهرت الحضارة وعاش الانسان في ظلال الامن والسلام.
أضرار تضييع الوقت
فالانسان مسؤول عن الوقت وأهميته في الحياة، وغير مسموح له بإتلافه في الثرثرة والنوم والمجالس الفارغة، فكم من الساعات والأيام والسنين يضيعها الانسان في التسكع في المقاهي والطرقات ومجالس اللهو والعبث؟ ويستهلك الحيوية والنشاط في الجلوس على الارصفة والتجمع هنا وهناك بلا هدف ولاغاية بناءة.
فالامة التي يسيطر عليها الخمول ويضيع ابناؤها طاقاتهم الجسدية والفكرية والمادية لهي أمة متخلفة تعيش في آخر الامم ، منصهرة في سواها.
لماذا التهرب من المسؤولية وعدم احترام الوقت.. اذا جئنا الى مجتمعاتنا نجد الوقت قيمة مهدورة في حسابات العديد من ابناء المجتمع، والبعض يبيح لنفسه وبأعذار شتى التقصير في العمل والاهمال في الاداء، حتى أصبح التسيب والركون الى الكسل صفحات رائجة في المجتمع، ولاتجد من ينكرها، ومن المؤسف ان أجيالنا الجديدة مصابة الى حد كبير بهذه الاعراض الخطيرة فإتقان العمل عندهم من الكماليات واحترام الوقت والحرص عليه من الامور التي غالباً ما يتم تجاوزها وغدت العناصر التي تتميز بالجدية، محدودة العدد، يميزها الجميع لقلة وجودها وندرتها.
انها مظاهر مؤسفة أن نشاهد العاملين في المواقع المختلفة وقد هربوا من اعمالهم وافلتوا مسؤولياتهم، ونحن نطالب مجتمعاتنا باحترام الوقت وتبجيل العمل المتقن الجاد، فذلك هو سبيلنا الى الارتقاء المادي والمعنوي، ومن الضروري ان يلقن الشباب مثل هذه المفاهيم وان ترسخ في وجدانهم، ولاشك ان غياب هذه المفاهيم يعرض مجتمعاتنا لمزيد من التخلف والتراجع، فلسنتثمر الوقت ولنحسن توظيف طاقات الامة والافراد، فعلى الذي يجد ساعات فائضة ان يستغلها بالتربية والتثقيف الذاتي وبالعناية بأبنائه واسرته، فقد خلق الانسان ليعمر الارض ويمارس دور الخلافة فيها ويوظف طاقات الطبيعة لصالح البشرية.