السلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته
في أحضان البطالة تولد آلاف الرذائل، وتختمر جراثيم التلاشي والفناء، إذا كان العمل رسالة الأحياء فإن العاطلين موتى، وإذا كانت دنيانا هذه غراسا لحياة أكبر تعقبها، فإن الفارغين أحرى الناس أن يحشروا مفلسين لا حصاد لهم إلا البوار والخسران.
وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى غفلة الألوف عما وهبوا من نعمة العافية والوقت فقال: **نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس:الصحة والفراغ**.
أجل..فكم من سليم ممدود الوقت يضطرب في هذه الحياة بلا أمل يحدوه، ولا عمل يشغله، ولا رسالة يخلص لها ويصرف عمره لإنجاحها.
ألهذا خلق الناس؟..كلا، فالله تعالى يقول: ﴿ أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون*فتعالى الله الملك الحق ﴾.
إن الحياة خلقت بالحق، الأرض والسماء وما بينهما، والإنسان في هذا العالم يجب أن يتعرف هذا الحق وأن يعيش به.
وأحسب أن المجتمع يستطيع الخلاص من مفاسد كثيرة لو أنه تحكم في أوقات الفراغ، لا بالإفادة منها بعد أن توجد، بل بخلق الجهد الذي يستنفد كل الطاقة، ويوجه هذا وذاك إلى ما ينفعه في معاشه ومعاده، فلا يبقى مجال يشعر امرؤ بعده أنه لا عمل له، ومن قديم عرف المصلحون أن بطالة الغني ذريعة إلى الفسوق.
إن الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسده
ونضم إلى هذا أن بطالة الفقراء تضييع لقدرة بشرية هائلة، وبعثرة مخزية لما أودعه الله في العضلات والأعصاب والأفئدة من طاقات لو فجرت لغيرت وجه العالم.
فيروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: إني لأرى الرجل فيعجبني، فإذا سألت عنه فقيل: لا حرفة له، سقط من عيني. وفي الحديث إن الله يحب المؤمن المحترف) فلا جرم أن شعوبا بأسرها تسقط من عين الله، وتسقط من أعين أهل الجد والإنتاج لأنها لا عمل لها، استهلكها الفراغ وأسلمها للفناء..
وعندي أن العلة الأولى لتخلف الأمة العربية والشعوب الإسلامية ما غلب على أحوالها النفسية والاجتماعية من قعود واستكانة وتقاعس.
ويستحيل أن تحرز هذه الأجيال الغفيرة من البشر سهما من نجاح في الدنيا أو فلاح في الأخرى إلا إذا تغير أسلوبها في الحياة، ومحت من ربوعها آثام البطالة والفراغ.
من كتاب جدد حياتك (محمد الغزالي )ص 62 -68