بسم الله الرحمن الرحيم
د. دانية الشريف
تصلني دوما العديد من الرسائل من القرّاء الأفاضل تحمل العديد من التساؤلات عن أساليب التربية الصحيحة وأساليب العقاب التي يمكن للآباء أن يلجأوا إليها حين يحتاج الأمر.
كما حملت إحدى الرسائل قول صاحبها الذي أنقله لكم بنصّه: «تتحدّثون اليوم عن الضرب وتسمّون كلّ محاولة لتربية الطفل ووضع حدود له بالعنف والاعتداء!!.
فكيف تستوي تربية الطفل إن لم تكن هناك حدود وضوابط؟ وكيف ينشأ والدنيا عنده (سداح مداح) ؟.
إن التأثّر بتيارات التربية الغربية جعل الحديث عن العنف فاكهة لكل ذي قلم. لقد نسيتم أن الضرب مباح في ديننا وأن الرسول عليه الصلاة والسلام قد أمر بضرب الصبي إن لم يُصلِّ! «واضربوهم لعشر». فهل ندع التوجيه التربويّ النبويّ ونمسك بأذيال التربية (المائعة) التي نرى ثمرتها في شباب الأجيال الصاعدة ؟
وقد قيل قديما .. «اضرب ابنك واحسن ادبه .. ما يموت حتى يجي أجله».
* وفي قول الأخ القارئ كاتب هذه السطور ما يستحق التوقّف عنده كما تستحق تساؤلات القرّاء الأخرى ولا سيّما أن في قوله تفسيرا خاطئا لعقوبة الضرب التي وردت في قول المصطفى عليه الصلاة والسلام. وفهما خاطئا للتربية والتأديب والتهذيب!! واستشهاد بأقول وأمثلة.. لا تعني بالضرورة ما فهمه.. ولا تنص أيضا على قواعد تربوية حقيقية إنسانية تحترم كرامة الإنسان.
* هناك حقيقة لا بد من الاعتراف بها وهي أن تربية الأبناء في هذا الزمن تعدّ من أعقد المشكلات التي تواجه الآباء والأمهات وعلماء النفس. وأعني بها تلك التربية الصحيحة التي توافق العرف و الشرع. وتتوافق مع كرامة الإنسان والرغبة في أن ينشأ نشأة صحيحة يقف عند حدودها ويمتثل إلى ضوابطها فيغدو عضوا سويا نافعا في مجتمعه.
* عند الحديث عن التربية لا بد من التأكيد على أمر بالغ الأهمّية وهو أن التربية لا تعني الضرب والشدة والتحقير والحرمان كما يظن البعض، وإنما هي مساعدة الناشئ للوصول إلى أقصى سموّ ممكن في أخلاقه وسلوكه والتزامه. كما لا بد من التأكيد على أن أول خطوه نحو ضبط الطفل أن يكون الوالدان (منضبطين) يمكنهما السيطرة على نفسيهما والتحكّم في تصرفاتهما وإلا كانت عملية ضبط الطفل وتعليمه السلوك الحسن ضربا من الخيال.فلا نتوقّع من الوالدين أن ينجحا في إعطاء الطفل وتعليمه تلك المهارة وذلك السلوك وهما يفتقدانهما!!
* كما علينا ألا ننكر وجود بعض الناس الذين يحبّذون الأخذ بفكرة العقاب البدني عند محاولة الإصلاح والتربية معتقدين أنهم إذا ربّوا أولادهم بالضرب فإنهم سيحصلون على أطفال مؤدبين يخافون الخطأ ونتائجه فيحسنون التصرّف. بل أن بعض الذين يمارسون الضرب كأسلوب تربوي لديهم قناعات بأن تأديب الأطفال بالضرب موجود أصلاً في الدين!!. لذا وددت اليوم أن أقف عند هذا الاعتقاد للرد عليه أولا.
* إن القراءة المتمعّنة للقرآن الكريم والسنة النبوية تؤكّد لنا أنه لا يوجد أي نص يشير إلى أي صورة من صور العنف ضد الأطفال من أجل التأديب سوى حديث الأمر بالصلاة. بل إننا نجد العديد من المواقف والأحاديث النبوية التي تؤكّد روح الحب والتسامح والرأفة والرحمة بالصغار. مثل حديث ذلك الأعرابي الذي قال للرسول عليه السلام: إن لي عشرة من الأطفال لم أقبّل أحدهم قط!! فقال له: وهل أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك، من لا يَرحم لا يُرحم. وهناك حديث أوصى فيه معاذا رضي الله عنه بجملة وصايا كان منها قوله : (وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ مِنْ طَوْلِكَ وَلاَ تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاكَ أَدَباً وَأَخِفْهُمْ في اللَّهِ). كما نجد أجمل صور الرأفة والحنان تتجلّى عندما كان صلى الله عليه وسلّم يصلي بالناس فركب الحسين عنقه و هو ساجد، فأطال السجود بين الناس حتى ظنوا أنّه قد حدث أمر فلما قضى صلاته ، سألوه عن ذلك ، فقال عليه الصلاة و السلام : (إن ابني ارتحلني ، فكرهت أن أعجّله حتى يقضي حاجته ).وفي حديث آخر قال عليه السلام : «من كان له صبي فليتصاب له». ويروى انه كان أفكه الناس مع الصغار. كما ورد عنه عليه السلام قوله: «من كانت له ابنة فأدّبها وأحسن أدبها وعلمها فأحسن تعليمها فأوسع عليها من نعم الله التي أسبغ عليه كانت له منعة وستراً من النار» وقوله: «أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم» وعن عمر بن الخطاب قال: رأيت الحسن والحسين على عاتقي رسول الله فقلت: نعم الفرس لكما. فقال عليه السلام: ولنعم الفارسان هما» كما ورد أن أحد الآباء وضع أحد أطفاله على فخذه والآخر على الأرض فقال له صلى الله عليه وسلم هلاّ على الفخذ الآخر.
كل تلك الأحاديث وغيرها تبعد شبهة الدعوة إلى ممارسة العنف عن التوجيه النبوي. أما حديث الصلاة فيقول عليه السلام «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر» وفي قوله ما يدل على أنه أعطى مساحة من الوقت للتعلّم. فهو لم يقل: مروهم لسبع واضربوهم لثمان ! لأن عملية التعليم والتعلّم تحتاج متسعا من الوقت وهي غالبا ما تؤتي ثمارها مع النسبة الأكبر من الأطفال بأساليب الوعظ والتشجيع والترغيب. أمّا الأطفال الذين لا تفلح معهم جميع وسائل الترغيب والحث فهم الذين يحتاجون للضرب بهدف الإصلاح وتعديل السلوك على مبدأ آخر العلاج الكي على ألاّ يكون الضرب في الوجه أو الأماكن الخطرة أو في مقتل ولا تُحرّك من موضع الكتف مما يؤكّد أن الهدف التأديب لا التعذيب أو الإيذاء. وقد جاء أمر الضرب فقط بشأن الصلاة.وليت الآباء يضربون صغارهم على الصلاة!! إذ أن الكثير منهم استغل هذا الحديث لضربهم بسبب وبدون سبب.
والضرب هنا .. آخر محطة بعدما يقطع الأبوان كل المحطات ..
علما بأنه لا يوجد طريقة إيجابية لا تفلح مع الطفل ,,, !! وطرق التأديب وتقويم سلوك الطفل المتمرّد كثيرة .. لكن البعض يبحث عن الأسهل .. وليس الأجدى .
ولنا في الحديث عن التربية وقفات جديدة بإذن الله
منقول