السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الإنسان كما يقول علماء الاجتماع، وعلماء النفس ابن بيئته، فهو ينشأ في بيئة من البيئات الاجتماعية فيكتسب منها معارف، وعادات، وتقاليد وأخلاقاً كثيرة، منها ما هو حق، ومنها ما هو باطل، والمؤسف أن كثيرا من المسلمين يستوردون أو يبتدعون منها ما هو فاسد، يناقض ما قرره الشرع الحكيم، وبالتتبع نلاحظ أن كثيراً منهم استمسكوا بمفاهيم وعادات باطلة دون حجة، بل تعصبوا لها وساروا على آثار من ابتدعها دون بصر فيها أو نظر.
وقد تفشت في مجتمعنا الجزائري، وفي غيره من بلدان المسلمين، ظاهرة تتعلق بكلمات وعبارات يتبادلها الناس أثناء إلقاء التحية بينهم، لست أدري من أين استوردوها أو وَلَّدُوهَا، فقد غيََّروا تحية الإسلام " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" بغيرها ك: (صباح الخير) و(مساء الخير) و(صح يا فلان، ويا علان)، أو (صباح الفُل واليَاسَمين) وغيرها من أنواع الورود والأزهار، وتعدى بعضهم إلى الرطانة بلغة الأعاجم ( Good Morning ) و (Hi)بالإنجليزية أو (Bonjour ) بالفرنسية، وأقتصر بعضهم على التسليم بواسطة الإشارة بتحريك الرأس أو برفع اليد، وكأنهم يتدربون على لغة الصم البكم رغم أنهم أصحاء البدن والأعضاء...
إن المنهج الإسلامي يحرص أشد الحرص على تعليم أتباعه وترغيبهم في سبل وطرق تعزز وتوثق عُرى الأخُوَّة، وعلاقات الموَّدة والمحبة بينهم، وإن إفشاء السَّلام والتحيَّة من بين تلك التعاليم الَّتي تتجلى ثمراتها في تصفية القلوب، وتوسيع دائرة التعارف بين الناس، وتوثيق الصلة بين المسلمين، وهي ظاهرة يدركها كلُّ من يمارسها على صعيد المجتمع ويتدبَّر نتائجها الإنسانية العجيبة، لذلك لا ينبغي لنا استبدال تحية الإسلام التي اختارها الله للمؤمنين من عباده ليتبادلوها فيما بينهم، بغيرها مما هو أدنى وأقل شأنا والتي أعيذ نفسي وأخوتي أن يتخذوها بديلاً عن السلام الشرعي، فإذا أدعى بعض الناس أنه لا ضير فيها، وأنهم قد تعودوا على التحية بهذه الألفاظ وأن العرف جار بذلك وغيرها من المبررات...، فإن علماءنا - بارك الله فيهم - لا يرون مانعا أن يأتي بالتحية التي تعود عليها، أو كلمات الترحيب التي يرغب فيها، لكن بعد التسليم بتحية الإسلام التي يجب أن تكون هي أول ما يبتدئ بها المسلم، فيجب عليك أخي المسلم أن لا تقتصر بالتحية عند اللقاء على العبارات التي ذكرتها، دون أن تسبقها بقول "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" وإلا فإنك ستساهم عن قصد أو عن غير قصد في الإساءة إلى نفسك ومجتمعك، وفي عدم امتثالك والتزامك بأوامر دينك، والاقتداء بسنة نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
" فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته" تحية الإسلام تبعثها الروح إلى الروح، تخرج من قلب المؤمن قبل شفتيه، فتذهب قاصدة قلب المؤمن قبل أذنيه، فيحس بها المتلقي وتلامس مجامع نفسه، وتتنزل منه منازل الراحة والاطمئنان، فيرد عليه بأحسن منها امتثالا لقول الحق عز وجل:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا } سورة النساء، الآية: 86.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام قال له : (( اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّه...))
إن كتاب الله العزيز والسنة النبوية الشريفة يحثان المسلم على الإلتزام بتحية الإسلام، تحية آدم عليه السلام وتحية ذرّيته من بعده، فهي السبيل التي نستأنس بها، وندخل بها الاطمئنان والسرور إلى أعماق نفوسنا لتنطلق على سجيتها بأيسر الوسائل وأقلِّ التكاليف، وخاصة إذا أضفنا إليها التبسُّم في وجوه من نُحِيِّيهم.
إنها تــحية حُلــــــــــوة... كالسِّحر تُجلب القُلُوبــــــَا
تُدنـــــي البَغيضَ من الهَوَى... حتى تُصيّرَهُ قريبــــاَ
وتـُـعيدُ مُضْــــــــــــــغِنَ العَداوة... بعد نُفْرته حَبيبـــــاَ
.
أخرج الإمام البخاري في الأدب المفرد ج 1/ ص 342 حديث رقم: 986 عن أبي هريرة رضي الله عنه، والطبراني في معجمه الأوسط ج 6/ ص 108 عن ابن عمر رضي الله عنهما، والبزار في مسنده ج2/ص32 واللفظ له ، "...عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكُمْ ، فَرَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَجَاءَ آخَرُ ، فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : عِشْرُونَ حَسَنَةً ثُمَّ جَاءَ آخَرُ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ثَلاثُونَ حَسَنَةً".
وعلق عليه قائلا: "وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ نَحْوُ كَلامِهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وجُوهٍ، وَأَحْسَنُ إِسْنَادٍ يُرْوَى فِي ذَلِكَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الإِسْنَادُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَاهُ مِنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ عِمْرَانَ فَإِسْنَادُ عِمْرَانَ أَحْسَنُ".
أدعو الله أن يغفر لنا ولكم ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وأدعو الله أن يعصمنا من التقليد الأعمى للرجال، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
والله أعلم.